سورة الانفطار - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الانفطار)


        


{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}
{إِذَا السمآء انفطرت} أي انشقت {وَإِذَا الكواكب انتثرت} أي سقطت من مواضعها {وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ} أي فرغت وقيل: فجر بعضها إلى بعض فاختلط {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} أي نبشت على الموتى الذين فيها، وقال الزمخشري: أصله من البعث والبحث فضمت إليها الراء والمعنى بحثت وأخرج موتاها {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} هاذ هو الجواب ومعناه: علمت كل نفس جميع أعمالها، وقيل ما قدمت في حياتها وما أخرت مما تركته بعد موتها من سنَّتها أو وصيَّة أوصت بها، وأفردت النفس والمراد به العموم حسبما ذكرنا في التكوير.


{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}
{ياأيها الإنسان} خطاب لجنس بني آدم {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم} هذا توبيخ وعتاب معناه: أي شيء غرّك بربك حتى كفرت به أو عصيته، أو غفلت عنه فدخل في العتاب الكفار وعصاة المؤمنين، ومن يغفل عن الله في بعض الأحياء من الصالحين. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ما غرّك بربك الكريم فقال: غرّه جهله وقال عمر: غرّه جهله وحمقه. وقرأ: إنه كان ظلوماً جهولاً، وقيل: غرّه الشيطان المسلط عليه. وقيل: غرّه ستر الله عليه وقيل: غرّه طمعه في عفو الله عنه. ولا تعارض بين هذه الأقوال لأن كل واحد منهما مما يغرّ الإنسان، إلا أن بعضها يغرّ قوماً وبعضها يغر قوماً آخرين، فإن قيل: ما مناسبة وصفه بالكريم هنا للتوبيخ على الغرور؟ فالجواب: أن الكريم ينبغي أن يعبد ويطاع شكراً لإحسانه ومقابلة لكرمه، ومن لم يفعل ذلك فقد كفر النعمة وأضاع الشكر الواجب {فَعَدَلَكَ} بالتشديد والتخفيف أي عدل أعضاءك وجعلها متوازية فلم يجعل إحدى اليدين أطول من الأخرى، ولا إحدى العينين أكبر من الأخرى ولا إحداهما كحلاء والأخرى زرقاء ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود وشبه ذلك من الموازنة {في أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} المجرور يتعلق بركبك وما زائدة، والمعنى ركبك في أي صورة شاء من الحسن والقبح، والطول والقصر، والذكورة والأنوثة، وغير ذلك من اختلاف الصور، ويحتمل أن يتعلق المجرور بمحذوف تقديره: ركبك حاصلاً في أي صورة، وقيل: يتعلق بعدلك علىأن يكون بمعنى صرفك إلى أي صورة شاء، هذا بعيد، ولا يمكن إلا مع قرءاة عدلك بالتخفيف.


{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17)}
{كَلاَّ} ردع الغرور المذكور قبل، والتكذيب المذكور بعد {بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين} هذا خطاب للكفار والدين هنا يحتمل أن يكون بمعنى الشريعة أو الحساب أو الجزاء {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} يعني الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} يعلمون الأعمال لمشاهدتهم لها، وأما ما لا يرى ولا يسمع من الخواطر والنيات والذكر بالقلب فقيل: إن الله ينفرد بعلم ذلك، وقيل إن الملك يجد لها ريحاً يدركها به {إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ} في هذه الآية وفيما بعدها من أدوات البيان المطابقة والترصيع {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ} فيه قولان: أحدهما: أن معناه لا يخرجون منها إذا دخلوها، والآخر: لا يغيبون عنها في البرزخ قبل دخولها لأنهم يعرضون عليها غدواً وعشياً {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين} تعظيم له وتهويل، وكررّه للتأكيد والمعنى أنه من شدته بحيث لا يدري أحد مقدار هوله وعظمته.

1 | 2